الأحد، 31 مايو 2009

كافكا على الشاطئ - هاروكي موراكامي




رواية ميتافيزيقية تقلب موازيين الحيوات فيتداخل العديد من الأشخاص الذين ينتمون لبعضهم البعض بصلة خفية لا يعرفها سوى القدر.رواية تتحدث عن عجوز تفتح بوابة العالم الآخر بعد تجربة حُب قاسية جداً، حيث لا زمن مُحدد ولا عُمر ولا وجود للأنا فيختلط كل شيء في بوتقة اللامعلوم؛ ويهرب صبي ليلة عيد ميلاده ويفقد طفل ذاكرته ويُملَّكُ طاقة خاصة بدلاً عنها.

تحمل الرواية فلسفة خاصة، تنم عن ذكاء عالٍ للراوي، وعن خلفية ثقافية واسعة تشمل الموسيقا والتاريخ والفلسفة. لا تخلو الرواية من حس الدعابة. فكُنت أضحك كثيراً على طريقة ناكاتا في الحديث وتصرفات هوشينو الساذجة.

يصف هاروكي موراكامي اليابان بعدَ الحرب، ثم يتخذ وضعية الفلاش باك ويتحدث عن بعض الأمور التي حدثت خلال الحرب. يتسابق زمنان، أحدُهم يمشي برتابة والآخر يركُض مُسرعاً كي يلحق الآخر فيتحدا بعد ذلك، ودون علم مُسبق يغرقان داخل بعضهما البعض.

وكأساس للرواية فإن الكاتب يعمل على نشر تقارير سرية للجيش الأمريكي يحتوي على التحقيقات التي خضع لها الشهود أبان حادثة رايس باول هيل .

كافكار تامورا – الشخصية الرئيسية - يهرب في عيد ميلاده لأنه يبحث عن نفسه كي يصير أقوى. ليس هنالك من قوة جذبته لكي يرحل، ولكن من الواضح أنه يود أن يهرب تحقيقاً للعنة أبيه : أن يقتل أباه وينام مع أمه وأخته – عقدة أوديب - . يتحدث كثيراً مع كرو ومن الواضح أن كرو هو الأنا الداخلية، وهو الذّي يعمل على توجيهه في كثير من الأمور.

الهروب في سن الخمسة عشر وارد كثيراً و ربما لهذا السبب اختار موراكامي هذا السن؛ عندما يكون الفرد يبحث عن النضج في مكان ما، ويود أن يتحرر ويكون قيادياً وفي نفس الوقت هنالك صوت دائما يلاحقه وأشخاص يعرفهم ليسوا ضمن هذا الواقع.

يعمل كافكا على تحقيق نبوءة أبيه. يُحققها في اللاوعي، لأنها صارت تتبعه أينما ذهب. وإن كان ما تحدث به والده النحات مُجرد خرافة سخيفة إلا أن تصديق كافكا لها حولها لحقيقة واضحة. إن الأمور التي نتعلق بها كثيراً في الأحلام ونصيرها حقيقة في عالم آخر سرعان ما ستهُرب لواقعنا كي تتخذ شكلاً مُعيناً فيه.

على الطرف الآخر من الرواية، يعيش عجوز يدعى ناكاتا فقد ذاكرته أيام طفولته، فرحلت كل ذكرياته للعالم الآخر وصار أبلهاً يتحدث مع القطط ويتنبؤ بما ستُنزله السماء حتى يأتي جون ووكر ويسرق منهُ هبته الأولى ويجعل من ابنه يقوم بقتله من خلال ذلك العجوز. يُقرر أن يرحل بعد ذلك لنفس المكان الذي هرب إليه كافكا. من الواضح أن كافا وناكاتا هما قالب واحد في جسدين.

يتعرف كافكا خلال رحلته على أوشيما وهو الشخصية التي تجذب أطراف الرواية. هو شاب مثقف، سريع البديهة، يعلم كل شيء، يتحدث في كل شيء، يُحلل بطريقة صحيحة، لا جنس محدد له، يقع بين الاثنين. يعمل على مساعدة كافكا وينقله لكوخ بعيد حيث يدخل كافكا العالم الآخر هناك ويلتقي بجنود اختفوا ولم يجدهم أحد لليوم.

يعمل أوشيما في مكتبة ضخمة تضم الشعر الياباني القديم والعديد من الكتب الأخرى، وترأسه ساييكي ، المرأة الخمسينية التي ألفت في ما مضى مقطوعة كافكا على الشاطئ وجعلت تكتبُ حقيقة ما سيحدث فيها. وحسبما اتفق اوشيما وكافكا فإنها قد كتبتها دون أن تدري أي معنى ستحمل او ستُخفي. لم تدر بالطبع تلك العجوز أي معنى وراء المقطوعَة الغنائية تلك. بيد أنه كان للمكان دور في خلق المعنى الذي تشكل النص به. هل حمل المكان لعنة ما ؟ رُبما .

تحمل الرواية العديد من الأسئلة حول القدر، الطبيعة، القوى الخارقة، العالم الآخر الذي نتحسسه ولا نراه، تحمل العديد من الألغاز التي تغوص فيها حيث لا مفاتيح لها ولا حلول كما أن لها وقعاً كبيراً على النفس وشخصية القارئ.

تتخلل الموسيقا الرواية، تُضيف لمسة فنية لها. الموسيقا تُغير الشخصيات، تعمل على تهذيبها وتغير من تشكيلها كي تتهيئ لأمور أخرى.

بالطبع، الرواية مجنونة، غارقة في الرموز والفلسفة والغموض. تحتاج للكثير من القراءات حتى تتضح، ومع ذلك قد لا تتضح.

هناك 4 تعليقات:

خاطر يقول...

"تتخلل الموسيقا الرواية، تُضيف لمسة فنية لها. الموسيقا تُغير الشخصيات، تعمل على تهذيبها وتغير من تشكيلها كي تتهيئ لأمور أخرى"

سحر الصوت !
بالنسبة لي وكأني بعد ثلاث عقود اكتشفت حاسة جديدة هي السمع .. لا أعرف كيف كانت مُهملة .. وهي أكثر وأقوى حواس الإنسان من حيث التأثير المباشر على النفس ..
وكنت قبل سنوات أظن أن لا اكتشافات جديدة

لن تفوتني أكيد الرواية متى ما وجدتها ..

ثناء Kofiia يقول...

أهلاً خاطر :)
عرفتني الرواية على العديد من الموسيقيين الذين لم أعرفهم من قبل. على الكثير من المقطوعات الرائعة ..
الرواية من أفضل ما قرأت.
انا متأكدة أنها ستعجبك مادامت تحتوي على هذا الكم من الموسيقا :)

الموسيقا مثل القراءة تماماً. تعمل على تغيير شخصيتك، تنميها بطريقة ما، والاهم أنها تهذبها.

قرأتها وأنا أسمع موسيقا ;)..

واحد يقول...

كان عليك الغوص في الرواية أكثر يا كوفية، قرأتِ الرواية بمستوى أعلى من العادي وأقل من اللازم.

بالفعل، قد تحتاج إلى قراءة أخرى، أو التركيز على مجريات الأمور أكثر بكثير. في الحقيقة، عليك معرفة نظريات العوالم الموازية أيضا.

العجوز ناكاتا مرح جدا، كنت أنتظر دوره في فصول الرواية بفارغ الصبر لأغرق في الضحك. هوشينو الآخر "تحفة" ههههههه

كتعليق سريع، ليس العجوز والفتى شخصا في جسدين، على الأقل هذا ما استنتجته، لكنني لن أشرح رأيي حتى لا أحرق الرواية على أي قارئ.

وربما تعمد الكاتب وضع الرواية بحيث يفهمها كل على هواه، وقد نجح بشكل يثير ريبتي حقا.

ثناء Kofiia يقول...

أهلاً حمودة.
كان بودي أن أحكي أكثر. ولكنني خبأت ذلك الحديث حتى أتشارك به مع أحد قد قرأ الرواية من قبل. أعني أنني أجد في ذلك متعة أكبر من طرح قراءة سيمر عليها الكثر ممن لم يقرؤوا الرواية من قبل وربما سيؤدي الأمر لحرق الرواية وحصر خيال القارئ فيما رأيته فقط وما استنتجته .

قرأت في السابق عن العوالم المتوازية. بعد فيلم silent hell
أظن أنك شاهدت الفيلم :)

قراءة واحدة لا تكفي لتحديد ما تحتويه الرواية. أفكر بقراءتها من جديد مرة أخرى، ربما تتضح أشياء جديدة.

على فكرة وجدت صورتين لا أعرف ما العلاقة بينهما وبين الرواية ولكن ما أن شاهدتُ الصور حتى تذكرت الرواية .