الجمعة، 19 سبتمبر 2008

كأنها تُحدثُ أشجارها *

أثمة علاقة بين المرأة والشجرة ؟ طلبت من تلاميذي مرة أن يرسموا امرأة ، فرسم أحدهم شجرة ، آخرون رسموا ضباباً وبحراً وساحلاً ومطراً وباباً، لم تهزني في رسوماتهم سوى الشجرة – لكني لم أعرف في حينها لماذا طلبت من تلاميذي أن يحولوا رسوماتهم إلى جمل أو نصوص قصيرة، بينما غرقت أنا في صورة الشجرة بحثا عن امرأتي فيها أو بحثاً عني وعن أشياء مبعثرة أحسها ولا أستطيع أن أحددها أو أقبض على أجزائها.

سالم : هي كائن مثل الضباب غريب ينقشع بسرعة ولكنه يجدد غموضه بسرعة أيضاً.

حسام : مثل البحر هي عميقة و واسعة قد يغرق فيها الرجال وقد ينجون وقد يبقون معلقين ما بين النجاة والغرق.

أيمن : مخلوق يشبه السواحل ترتاح فيه السفن أو تستعد لسفر بعيد.

عادل : إنسان يشبه الباب حين نفتحه قد نرى الجنة أو النار، وقد نرى أبوباً أخرى ، فتمشي حياتنا في فتح الأبواب والبحث خلفها.

أحمد : كم تشبه الشجرة هذه المرأة ولا أعرف لماذا وكيف ؟ انتهت الحصة ، انتهى اليوم الدراسي، انتهى العام الدراسي، ذهب الطلاب إلى عطلة الأذهان، سكنت السبورة، هدأت مقاعد الصفوف، ذهبت أنا إلى تمزقاتي واضطرابات قراراتي : هل سأعود إلى مهنة التعليم العام القادم ؟

وجدت نفسي أعود إلى دنيا الرتابة المسكونة بصورة المرأة – الشجرة . نسيت متاعب المهنة من سياط الجرس إلى ألم تكرار الأيام الدراسية، كان أحمد يهاتفني طوال أيام العطلة، يسألني سؤالاً واحداً : هل فككت لغز العلاقة يا أستاذ ؟ يطول صمتي على الهاتف ، فيغلق أحمد السماعة كأنه يعتذر عن إرباكي . على جدران سور المدرسة العالي فوجئت بأربع شجرات مرسومات بتأن بالغ، على جذوعها وجوه أربع نساء، في الصف كان أحمد يبتسم بهدوء وهو يقول لي : " أحببت أن اشرك طلاب المدرسة الستمئة في البحث عن لغز العلاقة . "

البيت القديم وهو متهالك ، بعيد عن المدينة وقريب في آن ، شجر كثير حوله وكلاب، يا إلهي ماذا تفعل الكلاب حول هذا البيت؟ تسكنه امرأة عجوز مجنونة، الضوء لا عرف هذا البيت، النوافذ مغلقة دائماً وبإصرار ، المرأة العجوز التي لا يعرف اسمها وحكياتها احد، لا تخرج من البيت الا بعد منتصف الليل، تطلق الصيحات الغامضة وتحدث أشجارها ، الكلاب تخرج من هدوئها وتطلق هي الأخرى نباحها المتواصل، تصحو الحارة، تتأفأف النساء، يغضب الرجال ، يخاف الأطفال، لكن أحداً لم يجرؤ بعد على الاقتراب من البيت القديم المعتم والمراة المجنونة والكلاب.

ما علاقة هذه القصة بموضوع المرأة – الشجرة يا استاذ ؟
ماذا تقول المرأة العجوز المجنونة للشجر ؟

هل هو مفتاح لغزنا، لو اننا سمعنا بوضوح الكلمات، لاقتربنا من الحل. لكن أحداً لا يستطيع أن يقترب ليسمع الكلمات الهامسة، فدائماً الطريق إلى اللغز محفوف بالخطر.

- هل أنت متأكد أن هناك شجراً كثيراً حول البيت القديم يا أستاذ ؟ سألني طالب مبتسم دربته على فن الربط بين الأشياء وتبديل المواقع .

- هل أنت متأكد أن هناك امراة مجنونة وكلابا وبيتا قديماً يا أستاذ ؟ سألني طالب آخر علمته فن التشكيك في كل الحكايا لأن لا شيء نهائي ومؤكد في هذا العالم. طلب الطلاب عنوان بيت المرأة العجوز. قلت لهم حين تعرفون تفاصيل الكلام الخافت ما بين الشجر والمرأة ستعرفون فوراً عنوان البيت. قال ليث : ما دام بعض الطلاب وأنا منهم يعتقد أنك ابتكرت حكاية البيت والكلاب والشجر والعجوز فلنقم أيضاً بابتكار كلام المرأة للشجر وكلام الشجر للمرأة. وافقت على الاقتراح دون أن أؤكد أو أنفي حقيقة الابتطار أو حقيقة الحكايا.

سعيد : المرأة للشجر : ضموني إليكن يا شجراتي، اشعر بالبرد والخوف ، اشعر بالموت يقترب . الشجرات تتحرك وتغطي جسد المراة البارد.

حسن : مدت المرأة العجوز يدها المتجعدة، ألصقتها في جذع الشجرة العالية، تحولت اليد إلى غصن جديد، همست الشجرة : يا إلهي ما أجمل أن تعود غصوني إلي بعد فقدان سنوات طويلة !
علي : وضعت المراة خدها على الأرض، تحول فوراً إلى جذع كبير وصلب، امتدت نجو الجذع غصون كثيرة كانت مقصوفة من شجر ميت كثير، أضيفت شجرة جديدة إلى عشرات الشجر حول البيت القديم.

فتحي : قالت شجرة صغيرة للمرأة العجوز : لماذا أنت بعيدة عني يا أمي ؟ اقتربي لأعيد لك شبابك وأعيدي لي توازني وروعتي.

أجابت المرأة : كم أود ذلك يا ابنتي لكن الكلاب تتربص بي.

سهيل : اقتربت المرأة العجوز المجنونة من شجرة عالية، وضعت على جذعها بنطلا أزرق. تحول الجذع إلى خصر امرأة ، وضعت المراة العجوز على الغصون قميصاً أسود فتحولت الاغصان إلى يدي ونهد امرأة.

هاشم : لم يكن ثمة شجرة ولا كلاب، ولا بيت قديم كان محض حلم، صحوت بعده خائفاً وبحثت عن أمي وأنا ارتجف.

خلدوم : هدمت جرافات البلدية البيت القديم واقتلعت الشجر ، هربت الكلاب. ماتت المرأة، تحول المكان إلى سوبرماركت كبير، لكن الجيران ما زالوا يسمعون صياح المرأة ونباح الكلاب.

هل عرفتهم الآن سر المراة " الشجرة " يا أصدقائي ؟ سألت طلابي .

أجاب الطلاب بصوت واحد : لم نعرف شيئاً بعد يا أستاذ. انتهت الحصة ، انتهى اليوم الدراسي، انتهى العام الدراسي. تركت مهنة التعليم، مرت سنوات طويلة، نسيت حكاية البيت والشجرة والمرأة العجوز والكلاب، ولم أعد أذكرإن كانت من اتبكارات ذهني لتدريب الطلاب على تعلم التخييل والكتابة ، أم كانت حكاية حقيقة ، استخدمتها لأغراض تعليمية وتربوية. أنا الان رجل مجنون بلا عمل ، هكذا يقول الناس عني ، لأننس ببساطة أعتقد أن الشجر نساء وأن النساء شجر، أتعرض دائماً لضرب الناس وتعنيفهم حين يرونني ألمس عين امرأة معتقداً أنها ثمرة خوخ ناضجة للقطف ، يا إلهي أنا مجنون فعلاً.
*زياد خداش

ليست هناك تعليقات: