الأربعاء، 28 نوفمبر 2012

مذكرات : في المعتقل


لم تكُن أوّل مرة بطبيعة الحال، كانت مرَّة من مرات كثيرة؛ أمسكت بي مُجنَّدة ممتلئة ذات شعر برتقاليٌ وقادتني إلى غرفة التفتيش، سألتني إن كان على جسدي شيء آخر غير ملابسي فنفيت ذلك بإجابة واحدة : لا. ألقت نظرها على جيبي المنتفخ، تحسستُ جيبي وحاولتُ أن أشرح لها أن ما فيه لا يخُصها ولا يعنيها لا هي ولا دولتها، فهذه هديتي لهُ؛ لربيع نسيهُ وزهر كرز لم يُدركه يوماً. طلبت مني أن أفرغ كل ما في جيبي، فلم أعرها اهتماماً. أخذت تتحسس بندقيتها، ثم أدخلت يدها في جيبي وأخرجت كل ما فيه ورمته في سلة القمامة ثم اقتادتني إلى دهليز أبيض كي أنفذ منه إليه.

كُنَّا وحدنا، وجعلتُ أخبره أنني حملت الربيع لأجله في جيبي لكنهم سرقوه مني : فتشوا كل سم في جسدي كي يتأكدوا أنني لا أحمل قنابل كي أفجر المكان، تخيل أنني سأفجر مكاناً أنت فيه؟ ضحك وقال أنني بلهاء فلا أحد يستطيع أن يُخبئ الربيع في جيبه لأن الربيع كبير جداً ولا يتسع لجيب مهترئة وصغيرة كالتي أملكها : لو قلتِ أنكِ هرَّبتِ رسالة من والدتي لكنتُ صدقتك، لو قلتِ أنَّك رسمتِ ليَ القمرَ البارحة لكنتُ صدقتُك أيضاً، ولكن تقولين أنَّك جئت بالربيع؟ رفعت بنطالي في وجهه وقلتُ له : هنا تحديداً كان يقطن الربيع الذي جئت بهِ لك، في هذه الجيب الصغيرة أزهرت أشجار اللوز. أخذت أفرغ جيوبي كما فعلت المجنَّدة وإذ بحبة لوز كانت ما تزال عالقة في جيبي، أخذها من جيبي وباشر بقضمها ثمَّ أخذ يضحك. قلت له : صحيح أنهم سرقوا الربيع كله من جيبي لكن يبدُو أن حبة لوز خضراءَ أدركتها المقاومة فأرادت أن تكون من نصيبك يا لعين!
 
ثناء الخواجا

هناك تعليقان (2):