الثلاثاء، 14 ديسمبر 2010

صنعة الشعر - خورخي لويس بورخيس



يضم كتاب صنعة الشعر ست محاضرات ألقاها بورخيس في جامعة هارفرد ضمن برنامج محاضرات نورتون دون الاستعانة بملاحظات مكتوبة، وإنما اعتماداً على ذاكرته ذلك أن نظره كان ضعيفاً، ولكن على الرغم من ذلك فقد قدم بورخيس محاضرات في غاية الروعة والإتقان.

عُنونت المحاضرة الأولى باسم لغز الشعر، وأراد فيها بورخيس أن يوضح للمستمعين أن الشعر يولد هكذا ببساطة، وأن هناك لغزاً معيناً وراءه؛ فلا يكتب الشعر لأجل كتابة الشعر وإنما لأجل غرضين أساسيين هما المتعة والعاطفة. ثم تحدث عن فعل " القراءة "؛ فالكثير من الأشخاص يخلطون بين شراء الكتب وشراء مضمون الكتاب، فكثيرة هي المكتبات المنزلية التي تضم عدداً كبيراً من الكتب قد يموت الفرد دون أن يقوم بقرائتها جميعها . عندما تمت ترجمة هذه المحاضرة تم استخدام لقظ " قرائين " على أنها جمع لقرآن، هي صائبة من الناحية اللغوية ولكننا جميعاً نعرف أن القرآن هو واحد فقط فكان على المترجم أن يستخدم لفظ " مصاحف " للدلالة على الجمع.

المحاضرة التانية كانت عن الاستعارة، فعلى مدى أزمنة مختلفة كان الشعراء يستخدمون الاستعارات النمطية نفسها رغم أنه يوجد عدد كبير من الاحتمالات للاستعارات فكل ما يخص الاستعارة هو أن يستطيع القارئ فهمها من باب كونها استعارة.

المحاضرة الثالثة كانت عن فن حكاية القصص، فلفظ الشاعر لا تطلق على من يستطيع أن يؤلف مقاطع موسيقية  فقط وإنما تتعداها إلى مقدرته على خلق حكايات في شعره، فتناول بورخيس الملاحم القديمة : طروادة، الاوديسة والإلياذة وغيرها . إضافة إلى أنه تنبأ بإخفاق الرواية ليحل محلها الشعر والملاحم القديمة من جديد.

المحاضرة الرابعة كانت عن موسيقا الكلمات والترجمة، كان هذا الفصل أحد الفصول المهمة التي قمت بقراءتها والتي عنتني بشكل شخصي؛ فأنا غير مقتنعة تماماً بإمكانية ترجمة الشعر إلا أن كان المترجم " فعلاً " على قدر عالٍ من الحِرَفية، فيتحدث بورخيس عن الترجمة الحَرْفية التي رغم أنها في الحقيقة غريبة لكنها تعمل على تجديد اللغة المترجم إليها.

المحاضرة الخامسة كانت عن الفكر والشعر، تحدث فيها عن تطور اللغة ؛ فالمفردات التي يستخدمها الشعراء في قصائدهم تمكننا من معرفة الزمن الذي كتبت فيه القصيدة. وعاد للتحدث عن الاستعارات أيضاً، فذكر أن بعض الاستعارات قد تبدو غريبة للغاية، كأن يُوصف غروب الشمس بطاووس أخضر منتشي في الذهب، فلا علاقة بين الطاووس والغروب ولكن بإمكاننا تجاوز ذلك كي نفهم انبهار الكاتب بالغروب.

المحاضرة السادسة والاخيرة تحدث فيها بورخيس عن نفسه وأسماها ب : معتقد الشاعر، قال فيها بروخيس: إنني أعتبر نفسي قارئاً في الأساس ولكنني أظن أن ما قرأته أهم بكثير مما كتبته. فالمرء يقرأ ما يرغب فيه لكنه لا يكتب ما يرغب فيه، وإنما ما يستطيعه، ذكر بورخيس كذلك أن بعض الكتاب نقرؤهم في فترة معينة من حياتنا ولا نعود لقراءتهم فيما بعد وهذه أيضاً قناعة شخصية لي، فأنا أجد على سبيل المثال أن روايات السيدة مستغانمي تناسب سن المراهقة على وجه التحديد ولن يستطيع القارئ أن يحبها كما لو قرأها خلال مراهقته. يؤمن بورخيس بالتلميح لا بالتعبير، فعلى القارئ أن يكون متيقظاً حتى يستطيع أن يفهم مغزاه.

بدا بورخيس ودوداً للغاية ومتواضعاً خلال محاضراته، فلم يعظم نفسه أبداً وتحدث عن بعض قصصه التي عاد لقراءتها بعد سنوات ليجد أنها لم تعجبه، كما أنه يملك ذاكرة غزيرة بشتى أنواع الآداب.

قد اختلف في بعض الأمور مع  بورخيس، فهو في النهاية يتحدث عن الأدب الغربي على وجه الخصوص ولكن يظل الكتاب مميزاً ومفيداً جداً.

ليست هناك تعليقات: