الأحد، 12 سبتمبر 2010

لعنة الطين - أحمد ابراهيم الأحمد



يتحدث المسلسل عن الفساد السياسي الذي ساد في فترة الثمانينات ليمُرر بعد ذلك للتسعينيات والألفية الحالية. يبدأ المسلسل بداية بسيطة وهادئة وربما غير مبشرة بحديث سياسي، وما كان ذلك سوى تثبيتاً للحكاية التي ستأتي فيما بعد وبناءً للأساس الذي سيرفع القصة خلال مشاهدتنا لهلا شيئاً فشيئاً كي تكون الأحداث واقعية وذات قيمة وحتى تكتمل شخصيات الأبطال .
 تبدأ القصة بالتكون على يد طالب البكالوريا عامر وحبيبته نيرمين التي كان لها الدور الأكبر في تغيير القدر نحو منعطف غريب. ينجح عامر في الثانوية، فيدخل كلية الهندسة لأن حلم والده أن يكون " مهندز قد الدني " ليقوده القدر لجواد، وهو طالب سجل في كلية الهندسة كذلك. يسكن عامر مع همام وموفق ، همام يدرس العلوم السياسية وهو طالب يحب أن يحلل السياسة بطريقته الخاصة الأمر الذي يثير له عدة مشاكل في الجامعة، بينما موفق شاب متدين  يدرس طب الأسنان ولكنه من عائلة فقيرة مما يضطره الأمر للبحث عن عمل في أحد المختبرات الطبية . لجواد خال شهد حرب لبنان وعمل لفترة طويلة في جريدة الأهرام المصرية يقرر أن يعود للشام إلا أنه لا يجد عملاً لأن الآخرين يخافون من أن يُعيَّن ويتم إخراجهم على حسابه . يمكث وضاح فترة طويلة عند ابن اخته جواد ولأن الشباب في تلك الفترة متعطش بشكل كبير للحديث في أمور سياسية يقررون تقضية سهرة عنده . تهرب نيرمين من القرية للقاء عامر في الشام دون معرفة منها أن تلك الهريبة ستصب كل اللعنات عليهم. يعلم أهل نيرمين أنها لم تنام عند صديقتها في المشفى وإنما ذهبت عند عامر للشام فيذهب أبوها للشجار مع أبو عامر الذي كان قد تعرض لأكثر من جلطة في السابق بسبب سرقة أرضه فيموت أبو عامر ويسجن أبو عادل لأنه كان المتسبب في موته رغم أن أبو عامر كان " على نكشة وبموت ". يتعرض عامر في تلك الفترة لمأزق كبير كونه المعيل الوحيد للعائلة من بعد والده، فيقرر زيارة ابو نزار ويعرض عليه ابو نزار في تلك الفترة أن يدخل الكلية الحربية حتى يقوم بوضعه في مكان كبير وهام . يطلب عامر مهلة للتفكير ، يشجعه جواد ويطلب منه أن يتواسط لأبو نزار كي يذهب معه هو الآخر، وعندما يستفسر من وضاح ينصحه أن لا يوافق لأن وضاح على علم تام بأن السياسة مكان قذر للغاية وعامر شخص طيب ولا يناسبه مستنقع كهذا. إلا أن عامر عندما يسأل أمه تصر عليه أن يدخل الكلية الحربية كي يسترد حقهم من دار أبو عادل.
يتخرج عامر من الكلية الحربية ويصبح ملازماً في الأمن المدني وينتقل بعد ذلك سريعاً للأمن السياسي ، بينما جواد يكون ملازماً في الجمارك ويبدأ بتنفيذ عمليات تهريب أسلحة دون علم أنها أوامر أبو نزار. لأبو نزار كذلك سيطرة على شاهر بيك الذي يضع تحت امرته في كل مرة شخصاً مثل أبو عدنان أو طلال الونش وسرعان ما " تفيح ريحة " الذي وضعه تحت امرته كي ينفذ خططه،  فيطلب منه أن ينتحر وإلا نحروه بطريقتهم الخاصة. يتعرض عامر وهو في الشرطة المدنية لموقف من بعض المخربين الذين يقومون بإخصائه و جملة " أنا ما عدت زلمي " تقلب المسلسل لمنحنىً آخر. فلا يعود عامر ذلك الشاب البريء الذي جاء من القرية للمدينة ويعامل الجميع بأدب ولطف حتى المجرمين أنفسهم . حتى يأتي اليوم الذي يكتشف فيه عامر أنه يجب أن يعود كما كان لأنه تمادى كثيراً إلا أن دخول الحمام ليس كخروجه ، فيقع فريسة السياسي المفسد أبونزار .
يُفتتح المسلسل بقرية في اللاذقية، يتحدث أهلها لهجة غريبة لم تكن مفهمومة في البداية وصارت لذيذة جداً فيما بعد الأمر الذي جعلني أعمل على تقليدهم في كل حلقة. كانت البداية شبه كوميدية مع مختار القرية أبو العز الذي قام باتقان دوره عبد المنعم عمايري وكاريس بشار في دور نيرمين حبيبة عامر التي أتقنت دورها بشكل مميز رغم أن أدوارها السابقة لم تكن تقنعني كونها شديدة التشابه، ومكسيم خليل الذي استطاع ببراعة أن يمثل دور الشاب الطيب والبريء والآخر القوي والمستبد، بينما ضحى الدبس أبدعت هي الأخرى بدور الأم مكسورة الخاطر وقاسم ملحو كان كذلك مفاجئاً بدور طلال الذي يحمل كل ذلك الخبث والجشع والكره في قلبه، وكان مشهد قتله لأخته أكبر مثال على ذلك. أبدع وائل شرف في دور جواد وأحببت الصبغة التي أكبست الشخصية طيشاً ، لم يكن الدور جديداً على وائل ولكنه أتقنه عموماً.
تعرض المسلسل في البداية لظاهرة التقمص في المعتقد الدرزي عندما جاء أبو بسام لأبو عامر وأخبره أن له حقاً في تلك الأرض ، ويقوم برسم تمثيلية على أبو عامر يجعله مصدقاً لما يحدث. لا يصدق أبو عامر في البداية ولكن انتكاس صحته بعد ذلك وتعرض أرضه للحرق على يد أبو بسام في الليل جعلاه يظن أنه العقوبات الإلهية قد انهالت عليه لأنه منع أخاه من الإرث فيوافق أن يعطي نصف الأرض لأبوبسام.
استطاع همام أن يمثل دور الشباب الجامعيين الذين يحلمون بالكثير ويملكون الكثير وعند أول فرصة يجدون أنهم تعرضوا للخيانة. فالكثير من الشباب يكتب مثلاً بحرفية كبيرة وهنالك من يقوم بسرقة نصوصه لأنه غير معروف، وكذلك همام الذي سُرق السيناريو الذي كتبه ووُضع عليه اسم آخر .
لم يعجبني المشهد الذي يقوم فيه وضاح وأستاذ همام بالحديث عن حرب لبنان، ويتناوب الاثنان الحديث وكأنهما يحفظان النص عن ظهر قلب ويقومان بإملائه علينا لا أكثر، فأحدهما يقف والآخر يكمل عنه دون أن يأخذ فرصة في التفكير فيما سيقوله للآخرين أو فيما سيقوله الطرف الآخر. لم تعجبني كذلك الحلقة التي جاءت بعد أن أنهى كل من جواد وعامر الكلية الحربية والتي حسب المسلسل قضيا فيها ثلاث سنوات فالأحداث لم تتطور بمقدار ثلاث سنوات ، فموفق الذي ماتت أمه في الحلقة السابقة لا يزال يستقبل التعازي، وأخته التي رفضت أن تعود لممارسة الرذيلة عادت وكأن شيئاً لم يكن، و سلوم كان قد اشتكى على طلال للشرطة في الحلقة السابقة كذلك ولكن في الحلقة التي تقدم فيها الزمن أخبره الشرطي أنهم لم يروا أي شي على طلال خلال العشرة أيام السابقة. ولكنني حسبما علمت فأن السيناريو خضع للرقابة التي طلبت تغيير المدة التي يقضيها كل من جواد وعامر في الكلية الحربية لثلاث سنوات بدلاً من ثلاثة شهور مما أدى لخلل في السيناريو والأحداث المتعاقبة.
في الحلقة الأخيرة تقدم الزمن 17 سنة، وكانت الحركة التي تقدم بها الزمن ذكية للغاية من خلال وجود جواد في كباريه وقيام المغنية بإظهار تحية له حسب الرتبة التي هو فيها فكانت مرة : أحلى تحية للملازم جواد العايد .. لتصير في النهاية أحلى تحية للعقيد جواد العايد.
على الرغم من أنني لم أر أي إشارة لكون المسلسل سياسي في البداية إلا أن ذلك لم يكن سوى الأساس الذي عمل فيه الكاتب على تطوير شخصياته النفسية ضمن البيئة التي رسمها. وهذا إن دل على شيء فهو يدل على للبعد العميق الذي يمتلكه رضوان  في الكتابة. كما أن الكوميديا في الضيعة أكسبت المسلسل طابعاً خاصاً ولذيذاً.
ربما أكثر ما أنجح مسلسل لعنة الطين هو الطاقم الذي مثل فيه، إلا أن كلاً من السيناريست والكاتب لعبا دوراً كبيراً فيه. فسامر رضوان كتب سيناريو مبهراً للغاية، وأحمد ابراهيم اعتنى بخلق أجواء الثمانينيات سواء في الضيعة أو في المدينة ولكن يبدو أنه لم ينتبه إلا أن لوحات السيارات في الثمانينيات كانت مختلفة عن لوحات اليوم.
لعبت الرقابة دوراً مهماً في تشكيل العمل، فقامت بقص 136 مشهد وحذف أسماء لبنانية سياسية كما أنها تدخلت بالسيناريو بشكل خاص وغيرت بعض الأمور مثل تغيير الفترة الزمنية التي كانت ثلاثة شهور لثلاث سنين. ومما جعل الأمر يسوء بشكل أكثر قيام بعض الفضائيات وبالأخص سوريا الفضائية بقص العديد من المشاهد دون أن يكون هنالك سبب معين، فالمشاهد لم تكن لاذعة بشكل مباشر أو تشير لأحد معين بل كانت مشاهدة عادية جداً.
لم ينتهِ المسلسل بانتصار الفساد لأنه ببساطة يحاكي واقعاً حقيقياً ولا يقوم بخلق المشاهد الخيالية، فعمليات الخطف لا تزال مستمرة وإن اختلفت الجهات، فالدكتور الذي اختطف لأنه رفض القيام بقتل المريض، هو نفسه طل ونفسه آيات ونفسه روكانا وجميع من اختطف واقتيد إلى مصدر مجهول.
قد تكون شخصية كل من جواد وأبو نزار هي شخصيات ترمز لكل مفسد في تلك الفترة وشعرت بأن كليهما كانا عبارة عن شخصيات مركبة فاسدة تمثل الوضع السياسي في ذلك الوقت، فكل شخصية هي خليط من أكثر من مفسد دون الإشارة لأسماء معينة كي لا يكون الكاتب في موضع تساؤل، إلا أنه من الجلي أنه تمت الإشارة لكل من العقيد (ح. م. ) والسياسي (ع. خ. ).
كانت جميع الحلقات مثيرة جداً، وفي كل حلقة كنت أقول بأن هذه الحلقة هي الأقوى حتى وصلنا للحلقة الأخيرة التي احتفظت بقوتها الأكبر بين جميع الحلقات. لعنة الطين من أقوى المسلسلات التي عرضت هذا العام إن لم يكن الأفضل.

هناك 8 تعليقات:

لبنــــــــــى يقول...

انا حضرت كم حلقة من السلسل
بالفعل ما فكرتوا رح يتطور هيك
رح احضروا اذا عادوا و عرضوا بعد العيد
انا شفت الحلقات اللي كانت فيها نرمين بتاكل قتل لما كشفها ابوها بتدخن و اللي شدني للمسلسل قصة التقمس
بس تحليل مختصر و رهيب شكلك متابعة جيدة متلي :)

ثناء Kofiia يقول...

مرحبا جفرا
انا حضرتو لأنو بيحكي عن الفساد السياسي، وبكل حلقة كنت اقول انو متى رح يبدوا هدول :p ليش ما في شي مبين وحتى لو بتلاحظي ما كان في الو مشاهدة بالفترة الأولى بس انا ضليت مصرة من أول حلقة مع انها ما كتير عجبتني لانو ما كانت افهم لادقي :p
الحلو كان الكوميديا الطاغية بهداك الوقت واللي قلبت بعدين لحقد وضغينة وخوف ..

احضريه كتير ممتع ، نفسي ارجع شوفو

مجنون يقول...

من اسم هذا العمل يمكن تكهن مضمونه الذي تحدث عن تأثير الفقر بشكل او بآخر في مسير حياة عدة نماذج . أعجبتني الحلقة التي تعرض فيها 4 أو 5 شباب للقهر دون أن يستطيعوا الرد ، واحد يُهاجَم في الكراج ويهان ، والآخر تمارس عليه مديرته في المخبر الديكتاتورية ، وثالث يضطهد في الكلية من قبل عميدها ... إلخ

سياسياً اعتمد المسلسل مبدأ غسقاط الأحداث على الواقع ، فبنظرة بسيطة نعرف أن أبو نزار هو مسؤول فاسد لأبعد حد كخدام ، ونهايته كانت كنهاية المذكور .

بشكل عام يمكن تصنيف العمل ككوميديا سوداء ناجحة .

تحية

ثناء Kofiia يقول...

أهلاً مجنون
بالفعل العمل كان واقعي وناجح. وتعرض لكتير قضايا ومشاكل بطريقة ممتازة.

بالنسبة لخدام ذكرت اسمه بنقاط فوق أفضل هو وعقيد الجمارك الآخر. حتى عقيد الجمارك التاني نفس النهاية ما لاحظت؟ القبو المليان مصاري.

سعيدة بوجودك.

غير معرف يقول...

هذه المرة أتفق :)
صحيح هذا العام كان الاجمل والأقل ليا للأعناق..

ow

ثناء Kofiia يقول...

أهلاً
.. كل عام وأنت بخير :)

سراب .. يقول...

استغربت جدا بيني وبينك كيف سمحوا لهيك مسلسل انو ينعرض وبهيك قوة وضربة !!

بس كان فعلا رائع..

شكرا لك كوفية

ثناء Kofiia يقول...

أهلاً خرافية
يمكن لأنها أحداث مكشوفة وخلص كل الناس عارفتها، بس هاد ما بيعني انو ما اتشوه المسلسل وصار " كسيح " متل ما قال رضوان، المسلسل كتير قصت الرقابة منو مشاهد وحذفت شغلات بالسيناريو .